تحليل شخصيات أنمي مونستر Monster
مراجعة الأنمي ستكون على مستوى الشخصيات كلُ على حدة، لأن قصة الأنمي تعتمد على الشخصيات وترابطهم بين بعضهم البعض، بالإضافة إلى عمق الأفكار سواء على مستوى الشخصية نفسها أو على مستوى ما يريد الأنمي إيصاله إلينا كمتابعين.
أحياناً، يتم إجبارنا على أصعب اختيار يمكن أن نقع فيه في حياتنا، وهم خيارين لا ثالث لهما، القلب والعقل، إذا اختلف العقل مع القلب تبدأ معركة العاطفة ضد المنطق، قد يكون اختيار العقل هو الأقرب للصواب عادة، لكن هذا لا يعني أن اختيار العاطفة هو خاطئ في المقابل، فلا أحد يمكنه التأقلم بسهولة مع قرار يشعرك بعدم الرضى عن النفس.
ولكن ماذا لو كان نتائج القرار تؤثر على حياة بشر؟ هل يمكن لشخص اتبع أحد الخيارين واكتشف أن قراره قد أدى في المحصلة إلى موت الكثير من الناس الأبرياء أن يتعايش مع قراره؟
هذا الموقف الذي وقع فيه الطبيب كينزو تينما جراح الاعصاب، صاحب السمعة الطيبة في المستشفى، بل في المدينة كلها، الطبيب الأفضل في اختصاصه، جميع العمليات التي يقوم بها تنجح نجاحاً منقطع النظير، يحب ويهتم بالمرضى أكثر من حياته الشخصية، يتابعهم في مرحلة ما بعد العملية إلى مرحلة الخروج من المستشفى، يحاول قدر الإمكان أن يحسن حالة المرضى النفسية، تم تقدير الدكتور تينما واحترامه من جميع المرضى الذين تم علاجهم تحت إشرافه، ولكنه دائماً ما يعمل تحت أوامر إدارة المستشفى، فقرار اختيار العمليات الجراحية لا يعود إليه، بل يعود إلى الإدارة التي تقرر الأولوية بناءاً على أهمية الشخص الذي يتم علاجه وليس أولوية الدور ومن يصل أولاً، حتى لو كانت الأول في خطر، على مبدأ أن حياة البشر ليست بمتساوية، تينما الذي يتم لومه من قبل امرأة وابنها لأنه لم يعالج زوجها الذي في خطر الموت، بل عالج شخصية مهمة بمنصب عالي بناءاً على أوامر الإدارة.
تينما يعيش أفضل حياة يمكن أن يعيشها أي طبيب على الإطلاق، لديه مهنة رائعة، سمعة طيبة، مخطوب من ابنة مدير المستشفى حالة مادية ممتازة، ولكن ضميره لم يمت، الضمير الذي اختفى عند الكثير من البشر، الضمير الذي ينساه الكثير من البشر بعد أن يعيشوا حياة الرفاهية، فالناس تنسى بسهولة، خصوصاً إذا وصلوا لأقصى حد من حياة الرفاهية، ينسوا أين كانوا، ومن أين أتوا، ولكن تينما لم ينسى، بل بقي محافظاً على ضميره، رفض الواقع الذي يعيش فيه، وقال كلمة الحق، “حياة البشر متساوية”، لا يهم إن كنت وزيراً، لا يهم إن كنت مديراً أو ذو شأن، فأنت في النهاية بشر، لا تختلف بشيء عن طالب المدرسة، والطفل صغير، حياة البشر ليست لعبة تتحكم بها كما تريد دون مسؤولية.
كينزو تينما:
أينما ذهبت اترك أثراً طيباً خلفك، هذا الكلام هو بالضبط ما يفعله الطبيب تينما، باهتمامه بالمرضى، بالأشخاص من حوله، إن كانوا أطفالاً، نساءاً، رجالاً، كهولاً، لا يفرق بين أحد، هو النقيض من الوحش، بعيد كل البعد عن الشر، إنه الخير المطلق، ولكن بعد اكتشافه حقيقة يوهان، قرر أن يصحح خطأه مهما كلف الثمن، والثمن هنا هو قتل يوهان، الطبيب الذي مهمته إنقاذ الحيوات، يهدف إلى أخذ حياة والانتقام. تينما بعد عملية إقالته من قبل إدارة المستشفى من منصبه وبعد التخلي عنه من خطيبته، يذهب إلى يوهان الذي لا يزال في غيبوبة تحت تأثير المخدر قبل أن يعرف الحقيقة، ليطمئن عليه ويتحدث معه عن قصته، يقول تينما بشكل غير شعوري في نهاية حديثه أن هذه الإدارة تستحق الموت،”إنهم جشعون لا يهتمون إلا بالمال والمناصب، يجب على أمثالهم أن يموتوا”، ويغادر.
يستيقظ يوهان بعد المغادرة ويبدو أنه سمع كلام تينما، لتبدأ عملية القتل، رئيس الجراحين الجديد، مدير المستشفى، وطبيب آخر يُقتل ثلاثتهم من قبل يوهان، ويختفي يوهان وأخته التوأم من المستشفى، ليكتشف تينما لاحقاً بعد 9 سنوات بأن يوهان كان وراء عملية قتل الإدارة وأشخاص آخرين من خلال سلسلة من الأحداث.
في كل مرة يقترب تينما من يوهان، يكتشف قذارة العالم من حوله، فبالتأكيد العالم لم يكن بأحسن أحواله بعد الحرب العالمية الثانية وفي فترة هدم جدار برلين، بل كانت الفوضى لا تزال تعم أماكن كثيرة في أوروبا على وجه الخصوص باعتبارها كانت ساحة رئيسية للحرب بين الدول ولكن في النهاية، عندما أصبح يوهان أمام تينما فعلا تحداه بأن يقتله، يوهان هنا يحاول إخراج الوحش الذي بداخل تينما، وليحفزه أكثر، صوب يوهان المسدس إلى رأس فتى كان أمامه، وهو يقول له أطلق النار يا دكتور تينما، وبالفعل تم إطلاق النار على الرأس، ولكن المفاجأة أن الرصاصة لم تكن من تينما، بل من والد ذلك الفتى.
ما الذي نتعلمه من تينما؟:
إن الشيء الرئيسي الذي يمكن أن نتعلمه من كينزو تينما، هو أن الإنسان لا يمكنه أن يقتل الآخرين بسهولة في البداية، بل قد لا يتمكن على الإطلاق، ليس لأنه جبان، بل لأن القلب الطيب والخير الذي في داخل البشر هو من ينتصر في النهاية، وهذا يعود إلى حياة الإنسان التي عاشها بشكل عام، فإن نشأ تنشئة صحيحة، فإن نسبة تحوله إلى مجرم قاتل بدم بارد تقل كثيراً إلى درجة الانعدام.
المحقق لونغي:
.
يعاني من حالة (الذاكرة الفوتوجرافية الدائمة)..
تلك الحالة تجعله أشبه بمصابي التوحد فيصبح فاشلاً اجتماعياً في التواصل مع الآخرين..
- يظهر هذا في تفكك أسرته وفي فظاظته في التعامل مع الآخرين، يحاول "لونجي" بعض الأحيان الادعاء وفعل الصواب وتقريب المسافات مع اسرته ولكن كل هذا ينتهي بالفشل إذا ظهرت مهمة ما أو غرض يريد تنفيذه وهذا بسبب أن محاولاته ليست إلا مجرد ادعاء، نرى هذا أيضاً عندما يحاول التعامل بلباقة حينها تشعر أن الكلمات تخرج منه بصعوبة..
وبعد تفكير، انغمس "لونغي" في عمله كمحقق ليحول مرضه إلى أداة عظيمة..
- تلك الاداة العظيمة ما يفصل بينها وبين تحوله لآلة هو انجراف آرائه فيها وهو غير مدرك لذلك ف"لونغي" يظن أن أحكام تحليلات آلته مطلقة لا خطأ لأنه لم يخطأ أبدا قبل ذلك، فكيف له أن يخطأ في قضية بينة الملابسات كقضية دكتور تينما، اذاً هو يرفض الخطأ والفشل ليس عاطفياً، بل وثوقا في ذاكرته المطلقة.
عندما انهار عرش تلك الذاكرة ترك مجال التحقيق ليس السبب في كونه أخطأ بحد ذاته بل بسبب أن أحكامه المستقبلية كانت ستملأ نفسه بكثير من الشكوك..
- لأجل ذلك اتجه إلى العمل الأكاديمي الهاديء مما أتاح له فعل الصواب اجتماعياً مع اسرته، ولأجل أن يختبيء وراء ضعفه في التواصل الاجتماعي استخدم البريد الالكتروني كوسيلة للتواصل مع اسرته..
ما الذي نتعلمه من المحقق لونغي؟:
مهما كنت ذكياً، مهما كانت توقعاتك لا تخطئ، فأنت في النهاية بشراً، ولا بد يوماً ما أن تقع في الخطأ، لونغي أخطأ في حكمه، يوهان موجود فعلاً، وبسبب ذلك قام بالبحث عنه ومعرفة حقيقة الوحش، تقبل خطأه في النهاية رغم أنه لم يفعل هذا بسهولة، فقد أصر على نظريته لفترة طويلة حتى توصل إلى الحقيقة.
آنا ليبرت:
آنا هي الأخت التوأم ليوهان، ولكنها النقيض تماماً منه، الجانب الطيب من الأخوين، كلاهما تم اكتشافهما عند الحدود الألمانية التشيكوسلوفاكية جائعين يحتضران وتم إنقاذهما من الألمان، آنا تم أخذها إلى ملجأ الأيتام 47 و يوهان إلى كيندرهايم 511 الملجأ الذي تحصل فيه تجارب وحشية على الأطفال بإشراف الحكومة الألمانية من أجل تحويلهم إلى جنود مثاليين.
تم لم شمل الأخوين لاحقاً بالتبني من قبل عائلة ليبيرت التي تم قتلهم بواسطة يوهان الذي أعطى المسدس إلى أخته وقال لها أن تطلق النار على رأسه وترمي المسدس من النافذة، وهذا ما فعلته آنا وتم أخذ الأخوين بعدها إلى المستشفى ليتم علاج يوهان من قبل تينما.
بعد الحادثة انفصل الأخوان مرة أخرى وتم تبني آنا من عائلة فورتنر وسُميت لاحقاً بـ نينا فورتنر، نينا فقدت ذاكرها بعد الحادثة الأخيرة وفي عمرها العشرين تم قتل عائلتها وبدأت ذاكرتها تعود تدريجياً خاصة بعد رؤية يوهان من بعيد، نينا تقرر الانضمام أيضاً إلى قائمة الملاحقين ليوهان والباحثين عن الحقيقة من أجل استعادة ذاكرتها ومعرفة كل شيء.
جريمر:
” جميع من في العالم يحمل ذنوبه الخاصة به، ولا يمكن أن يتم محيها، ولكن هذا لا يغير واقع إنه من المحتم علينا أن نقوم بما يجب القيام به “.
“المشاعر لا تنمحي أبداً، إنها فقط تختفي في مكان ما، ولكنها حتماً تعود من جديد”
غريمر هو أحد الأطفال الناجين من كيندرهايم 511، وهو وحش أيضاً، ولكنه بشكل آخر، غريمر يتحول إلى وحش يقتل ويسفك بشراسة عندما يكون على وشك الموت أو فقدان الوعي، إنه ستاينر العظيم.
غريمر يعمل كصحفي مستقل بعد أن كان جاسوس سابق للحكومة، ولكنه سرعان ما انضم إلى قائمة الباحثين عن يوهان بالإضافة إلى حقيقة كيندرهايم 511 وتفاصيل ما حصل.
يوهان ليبيرت:
“دكتور تينما، أنت قلت لي أن حياة البشر متساوية، وعشت بسبب ذلك، ولكن، يجب أن تدرك الآن، الشيء الوحيد الذي يتساوى به البشر .. هو الموت! ”
المقولة التي قالها يوهان في آخر لقاء بينهما، والتي كانت رد قوي على المقولة التي بدأت القصة بالأساس! وكأن المؤلف كان ينتظر طوال فترة القصة من أجل أن يرد بهذا الرد القوي على الأساس الذي بُنيت عليه القصة، وهذا ما جعل للأنيمي مذاقه الخاص.
لا يمكنك أن تهدد الوحش يوهان ليبيرت، ففي كل مرة يتم توجيه مسدس إليه، يضع إصبعه السبابة على جبينه ويشير إلى نفسه
وكأنه يقول: “اطلق النار هنا، فأنا لا أخشى الموت، أنا هو الموت”.
يوهان الذي تم بناء منظمة كاملة خلفه لإعتقادهم أنه سوف يقودهم العالم الذي يطمحون إليه، هتلر جديد!
قتل يوهان جميع الأشخاص الذين لهم صلة بماضيه أو من يحاول أن يعرف عنه أي شيء، لإرادته بأن يصبح شبحاً، وحشاً لم يعرفه أحد
مشهد يوم الحساب هو واحد من أفضل المشاهد التي تم إخراجها على الإطلاق، تينما يوجه المسدس إلى يوهان، ويوهان يضع إصبعه على جبينه قائلاً اطلق هنا، الدكتور تينما سوف يقتلني في النهاية”.
ولكن تينما لم يقدر على ذلك، فهو ليس بذلك القاتل، بل تم إطلاق النار من والد الطفل الذي تم ذكره سابقاً، إصابة بالرأس، وهنا التاريخ يعيد نفسه، على تينما أن يقوم بالعملية من أجل إخراج الرصاصة من رأس يوهان الذي لم يمت بعد، وبالفعل يقوم بها.
النهاية .. حقيقة الوحش:
حتى مع نهاية الأنمي، ولكنها أبقت خيال المشاهد مفتوح على جميل الاحتمالات، في مشهد لا يقل روعة عن مشهد يوم الحساب
حيث كان تينما يزور يوهان الذي لا يزال في غيبوبة، ويتحدث معه كما فعل قبل عشرة سنوات، ولكن فجأة، يستيقظ يوهان جالساً أمامه، في لحظة تقشعر لها الأبدان وهو يسأله: “عندما كنا صغاراً، في لحظة الاختيار، في اللحظة التي رأيت فيها الوحش، كان على أمي أن تتخلى عن واحد منا، لقد اختارت آنا .. هل كانت تحاول حمايتي؟ أم أنها اختارتها بالخطأ وكانت تريد التخلي عني أنا؟”
يذكر أن يوهان كان يضع شعراً مستعاراً في تلك اللحظة مما يجعل التوأم متطابقان تماماً من حيث الشكل.
هذا السؤال يجعلنا نتسائل حقاً عن حقيقة الوحش .. من هو الوحش؟
هل هو يوهان؟ أم فرانز بونابارت الذي كان يريد القيام بالتجارب على التوأمين؟ أم أنه العالم الذي نعيش به؟
كيف يكون الشخص وحشاً؟ هل يولد وحشاً؟ أم أن ظروف البيئة المحيطة به هي ما تحوله إلى الوحش المروع الذي يجب على الجميع الخوف منه؟
في النهاية الخيارات التي تختارها في الحياة، هي ما تصنعك، إما أن تختار العقل، أو تختار القلب، لا يهم في الحقيقة، ما يهم هو أن تتحمل مسؤولية اختيارك مهما كانت العواقب، الحياة مليئة بالقرارات والخيارات التي يجب أن تتخذ، وهذا ما يريد الأنمي أن يوصله للمُشاهد بجانب حقيقة الوحش .. لذا .. اختر بحذر وعناية، فأنت على وشك الدخول في دوامة جديدة بعد اختيارك.
إرسال تعليق على: "تحليل شخصيات أنمي مونستر Monster"