مراجعة فيلم طارد الأرواح الشريرة The Exotcist 





أحدث هذا الفيلم ضجةً كبرى عند صدوره عام 1973، لذلك لا يُستغرَب أن نجده حاضراً في ذاكرة آبائنا ومُجايِليهم، كما لم يكن غريباً أيضاً أن يتحدث عنه أحمد خالد توفيق في كتابه الماتع "أفلام الحافظة الزرقاء".


■■■■■■■■ __||||__ ■■■■■■■■


شاهدتُ الفيلم مراعياً الطقوس الضرورية لأخذ تجربة كاملة: وحدي تماماً في منتصف الليل أمام شاشة كبيرة مع أضواء مطفأة بالكامل. وربما لا يحتاج الإنسان إلى خبرة طويلة في أفلام الرعب ليدرك أن هذا الفيلم بالذات تجربة مميزة جداً، وأنه من الأفلام التي يظلُّ طعمها عالقاً بك مدة طويلة بعد المشاهدة.


■■■■■■■■ __||||__ ■■■■■■■■


كان عَقد السبعينيات قفزة نوعية في مجال السينما، فبعد أن اصطبغت أفلام الستينيات وما قبلها بالرسمية واللباقة والأناقة والذوق المرهف وبطء الإيقاع والرقابة العالية، فإن جيلاً من مخرجي السبعينيات أحدثوا ثورة حقيقية تميزت بكسر الثوابت وتحطيم الرقابة، والاجتراء على تصوير أي شيء والحديث في أي موضوع. لقد كانت تلك الثورة السينمائية سلاحاً ذا حدين، لكن المؤكد أنها فتحت آفاقاً إبداعية رحبة ما كان الفنُّ ليبلغها لو ظلَّ حبيس القوالب الرقابية الجامدة القديمة.


■■■■■■■■ __||||__ ■■■■■■■■


قصة الفيلم بسيطة جداً: فتاة مراهقة تصاب بما يُشتبه أنه مسٌّ شيطانيٌّ مرعب، فيأتيها قسَّان ليطردا الشيطان من جسمها اعتماداً على تعاويذ معينة (الرُّقى الشرعية بلُغتنا)!


■■■■■■■■ __||||__ ■■■■■■■■


يتميز الفيلم بقوة بصرية هائلة جعلته أيقونة سينمائية خالدة. هو فيلم سيشبعك بصرياً حتى في عامنا هذا، وسيجعلك تندهش بشدة من مدى الإتقان الذي بلغته تقنيات الماكياج والمؤثرات البصرية والصوتية في ذلك الزمن البعيد، حتى أني أشعر برغبة ملحة في إعادة مشاهدة بعض لقطاته الأيقونية والتشبُّع أكثر بتفاصيلها المذهلة.


■■■■■■■■ __||||__ ■■■■■■■■


رافق الفيلمَ كذلك غموضٌ شديدٌ قبل إنتاجه وبعدَه؛ فقبل الإنتاج طُرحت تساؤلات حول مدى مصداقية القصة التي زعم مؤلف الرواية أنها حقيقية، فيما كذَّب بعضهم ذلك معتبراً ما أصاب الطفل حالةً نفسيةً لا علاقة لها بالمسِّ الشيطاني. ثم نقرأ عن الممثلة ليندا بلاير -الطفلة آنذاك- التي لعبت دور البطولة، وكيف أنها تعرضت أثناء التصوير لأضرار بدنية جسيمة تبعتها لاحقاً أضرار نفسية خلَّفت فيها ندوباً دائمة. وحتى بعد صدور الفيلم لم تتوقف الشائعات (لا أدري مدى مصداقيتها)، فقد انتشر أن عدداً من أفراد طاقم التصوير قُتلوا في ظروف غامضة، كما أن حريقاً هائلاً أتى على المنزل الذي صُوِّرت فيه أحداث الفيلم دون أن تُدرى ملابساته.


■■■■■■■■ __||||__ ■■■■■■■■


أميل طبعاً إلى أن هذه القصص كلَّها مبالغات تجارية لا أكثر، لكن المؤكد أنها أكسبت الفيلم هالة أسطورية جعلته، إلى جانب قوَّته الذاتية، واحداً من الأفلام التي لا يمكن تجاهلها.


■■■■■■■■ __||||__ ■■■■■■■■


هذا، ولا أذكر قطُّ أني قصدتُ مشاهدة فيلم رعب لأنه فيلم رعب، إلا أن يكون تصنيف "الرعب" عرَضياً إلى جانب تصنيفات أخرى. لذلك لا أملك خزينة مشاهدات كافية لمقارنة هذا الفيلم مع غيره من أفلام النوع، إلا أني أستطيع أن أُجمِل الجوانب المرعبة في الفيلم فيما يلي:

- فكرة التلبُّس الشيطاني نفسُها، لا سيما حين تكون الضحية طفلةً في الثانية عشرة.

- حيرةُ الطب وعجزُ العلم الحديث عن التشخيص، واللجوء اليائس إلى الكنيسة.

- الماكياج المرعب والمتقن بشدة، والذي أخرج الطفلة الممسوسة من ماهيَّتها وحوَّلها إلى كائن آخر مقزز ومرعب.

- التأثير الصوتي الناتج عن تكلم طفلة صغيرة بصوت رجل بالغ مفعم بالقسوة والشر.

- صدور تصرفات مشينة من طفلة صغيرة: ألفاظ نابية وتجديفات عقائدية (أدَّت هذه اللقطات ممثلة بديلة)، عبارات شيطانية بلغة غريبة وتهديد ووعيد.

- مفاجأةُ المُشاهد، ودون سابق إنذار، بلقطات مقززة تمثلت في تقيؤ الطفلة سائلاً لزجاً كثيفاً أخضر، وقذفِه في وجه من يكلمها.

- صدمُ المُشاهد بأصوات عالية مرعبة مفاجئة، وبحركات شاذة تأتي بها الطفلة منها ما يخالف قواعد الفيزياء (دوران كامل للرقبة، تسلُّق مفاجئ للجدران وتعلُّق بالسقف، الطفو على الهواء، نزول الأدراج بوضعية مقلوبة تبدو صعبة أو حتى مستحيلة… إلخ).

- قطع الأثاث تتحرك وحدها مهما بلغت ضخامتها، ومنها ما يتطاير في أرجاء الغرفة محدثاً ضجيجاً هائلاً وفوضى عارمة.

- أجواء سوداوية مقبضة اكتنفت مشهد مجيء القسَّين؛ مَشاهد ليلة مفعمة بالظلال السوداء الكثيفة مع موسيقى تصويرية موحية.

- ردود الفعل الهستيرية، وبشكل مرعب مبالغ فيه، تجاه التعاويذ والرقى التي تلاها القسيسان على الطفلة (صرخات جنونية واستجابات جسدية عنيفة تطلبت شدَّها إلى السرير بإحكام شديد).

- نظرات الطفلة أمست نظرات شيطانية حقيقية تتوعد بالويل والثبور.


■■■■■■■■ __||||__ ■■■■■■■■


كل هذه العوامل وغيرها تضافرت لتقدم لنا تحفة فنية تترك في النفس أثراً لا ينسى. غير أن مما يجدر التأكيد عليه أن الفيلم ليس لجميع الأذواق ولا حتى لجميع المشاهدين، إذ يتطلب لمشاهدته بالطقوس الكاملة أعصاباً قوية وواقعية تذكِّر المُشاهد في كل لحظة أن ما يراه على الشاشة "مجرد تمثيل" لا أكثر…
التقييم: ⭐️⭐️⭐️⭐️⭐️

■■■■■■■■ __||||__ ■■■■■■■■

  أنس محمد سعيد (المغرب)

■■■■■■■■ __||||__ ■■■■■■■■
■■■■■■■■ __||||__ ■■■■■■■■


إرسال تعليق على: "مراجعة فيلم طارد الأرواح الشريرة The Exotcist "